اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية.
فتاوى في الطهارة الشرعية وموجباتها
11415 مشاهدة
الفصل الأول في فضل الوضوء

اشتهر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء متفق عليه عن أبي هريرة ومعناه أن هذه الأمة تعرف يوم القيامة من بين سائر الأمم ببياض الوجوه والأيدي والأرجل من آثار الوضوء، فالغرة بياض الوجه والتحجيل بياض اليدين والرجلين، وروى مسلم عن عقبة بن عامر الجهني -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما من مسلم يتوضأ فيحسن وضوءه، ثم يقوم فيصلي ركعتين، مقبل عليهما بقلبه ووجهه إلا وجبت له الجنة ولمسلم عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء .
وذكر مثل ذلك في غسل يديه ورجليه، قال: حتى يخرج نقيا من الذنوب وعن عثمان -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: من توضأ فأحسن الوضوء خرجت خطاياه من جسده، حتى تخرج من تحت أظفاره إلى غير ذلك من الأدلة على فضله.
وذلك لأنه امتثال لأمر الله -تعالى- بقوله: إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم الآية، ثم إن فيه النظافة وإزالة الأقذار والوسخ الظاهر الذي يعلق هذه الأعضاء، وهي أبرز ما يظهر من الإنسان، وفيه أيضا التنشيط والتقوية للبدن، فإن كل إنسان عادة يحس بنشاط وقوة وسرور بعد الطهارة الصغرى أو الكبرى؛ فلذلك ورد في الشرع الترغيب فيه، واستحب الاستمرار عليه حتى عند النوم، قال البخاري -رحمه الله تعالى- باب فضل من بات على وضوء ثم روى حديث البراء بن عازب أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن إلخ.